دمشق

إعداد وتحرير: سيسيليا الطويل
دمشق هي أقدم عاصمة مأهولة في العالم، احتلت مكانة مرموقة في المجالات الثقافية والسياسية خلال الألف الثالث قبل الميلاد، الأمر الذي اكسبها أسماء عدة نظرا لحيويتها ومركزيتها التاريخية.

أسماء دمشق:
دمشق: يوجد عدة نظريات لشرح معنى دمشق، أشهرها (سامية)/ ويعني الأرض المسقية، وذلك لموقعها الجغرافي على سهل خصب يرويه نهر بردى مشكلا غوطة دمشق.
(داماسكي كما ورد في رقم إبيلا الذي يعود تاريخه إلى حوالي 2000 قبل الميلاد، كما ذكرت في النصوص المصرية القديمة باسم (تيمساك) فيما أطلق عليها الآشوريون اسم دَمَشْقا، أما الأرميون فأطلقوا عليها اسم ديماشقو، وفي بعض النصوص ذكرت باسم (دارميسيق) وتعني الدار أو الأرض المسقية.
بعد الفتح الإسلامي عرفت أسماء عديدة أيضا، منها (دمشق الشام) تميزا لها عن مدينة غرناطة، التي عرفت باسم دمشق أيضا، كما سميت بـ (ذات العماد) لكثرة الأعمدة فيها، وأطلق عليها اسم (الفيحاء) لرائحتها الزكية، كما سميت باسم (جِلَّق)،و( فسطاط المسلمين) وأسماء أخرى، في الوقت الراهن تعرف دمشق باسم الشام أو مدينة الياسمين.

أسواق دمشق:
تضم دمشق أكثر من 25 سوقا تاريخيا مختصا، أشهرها سوق الحميدية، ويعتبر الأكثر جمالا، يبدأ السوق عند نهاية شارع النصر، بجواره تشمخ قلعة دمشق، تباع في السوق العديد من البضائع الدمشقية، أهمها الصناعات النحاسية والأرابيسك، والديباج والأقمشة الحريرية والتراثيات، ولا يزال فيها بعض الحرف القديمة كحرفة البروكار الدمشقي، ينتهي السوق بأحد فروعه ما تسمى بالمسكية، أو هو سوق المسكية، وهو سوق للقرطاسية والكتب، ويصل الى أعمدة معبد جوبيتير الدمشقي، ومنها الى البوابة الرئيسية للجامع الأموي.
سوق مدحت باشا: ثاني أشهر سوق في دمشق، تفوح فيه عراقة المدينة وتاريخها من خلال المحلات المرصوفة على جانبي السوق ذات الأبواب الخشبية، وعلى جانبيه أيضا يوجد الحوانيت والخانات الأثرية القديمة، وسمي بالسوق الطويل، حيث يبلغ طوله 1550 بدءا من باب الجابية حتى باب شرقي، بني السوق في زمن الرومان، وتعرض لعدة تغيرات حيث غطي بالخشب على زمن العثمانيين، ثم غطي بالحديد والتوتياء. كما يوجد فيه عدة خانات ومساجد خان الزيت وخان جقجق وخان دكة وخان أسعد باشا، ومسجد السادات الذي يضم مقام الصحابي معاذ بن جبل، كما يضم السوق بيوت دمشقية قديمة وعريقة كدار السباعي ومكتب عنبر، ويعتبر من البيوت الاثرية، حوله العثمانيون إلى مدرسة، وبعد الاحتلال الفرنسي تحول الى قصر للثقافة، ثم إلى مديرية مدينة دمشق حاليا، أهم البضائع التي تباع فيه العباءات والكوفيات والأقمشة الحريرية.
سوق البزورية: يختص ببيع التوابل والبهارات، حيث تفوح رائحتها على امتداد السوق.
سوق الجزماتية: المختص ببيع الأحذية ذات العنق الطويل، وسوق الخجا: المختص بصناعة الجلود والحقائب المختلفة، وسوق الجمعة: يباع فيه الخضروات والفواكه، وغيرها من الأسواق المتخصصة.
أحياء دمشق ومعالمها:
تضم دمشق العديد من الأحياء القديمة المشهورة بالنسبة لسكانها، ذات شوارع وحارات ضيقة وبيوت متلاصقة، وتسمى بالعرف الشعبي (دمشق القديمة) مثل باب توما، باب شرقي، القيمرية، حنانيا، ساروجة وغيرها، ومن أحياء دمشق أيضا الشاغور/ الصالحية/القنوات/ المهاجرين/الميدان / البرامكة/ المزة/ركن الدين.
أعلام دمشقية:
نتيجة لقدمها التاريخي والعريق، عندما تذكر دمشق، يذكر معها كثير من الشخصيات التاريخية العريقة، أشهر العلماء، الذين يعود تاريخ منشأهم الى دمشق، ومنهم الطبيب والعالم ابن النفيس، مكتشف الدورة الدموية الصغرى، ويوجد في دمشق مشفى باسمه معروفة بمشفى ابن النفيس. وفيها من رجال الدين كثيرين، أشهرهم ابن تيمية وابن القيم الجوزي وابن عربي، وحديثا الألباني.
وللسياسة باع طويل في دمشق إذ تعرضت لفترات حكم كثيرة، جعلت منها مدينة سياسية تاريخية، حيث شهدت حروبا وفتوحات عديدة، أشهر القائد صلاح الدين الأيوبي، الذي يوجد تمثال له بجوار القلعة، وفي فترة الستينات برزت عدة أسماء سياسية أمثال شكري القوتلي، وخالد بكداش، وجميل مردم، ومن القادة الذين خلدت دمشق اسماءهم يوسف العظمة، قائد وشهيد معركة ميسلون الشهيرة 24 تموز عام 1920م، ضد الجنرال الفرنسي غورو، وفيها استشهد وهو يقاوم الاحتلال الفرنسي، حتى لا يقولوا إن المحتل دخل دمشق دون مقاومة، أشهر مقولاته: (إن لم نكن أحرارا فوق الثرى فلن نكن شهداء تحته).
ومن مشاهير أبداء دمشق:
كان للشعر والأدب حظا وفيرا لدمشق، وأشهر من تغزل بدمشق، ابنها نزار قباني، وهو من عائلة عريقة فجده خليل القباني مؤسس مسرح القباني، عشق نزار لدمشق تجلى واضحا في أغلب قصائده منها قصيدة (أتراها تحبني ميسون) التي رصعت بالذهب على سيف دمشقي:

أتراها تُحبني مَيسونُ أم توهَّمتُ والنساءُ ظنونُ
كم رسول أرسلته لأبيها ذبحته تحت النقاب العيونُ
يا ابنة العم والهوى أمويٌ كيف أخفي الهوى وكيف أُبينُ
هل مرايا دمشق تعرفُ وجهي من جديد أم غيرتني السنينُ؟
هاهي الشام بعد فرقة دهر أنهر سبعةٌ.. وحورٌ عينُ
النوافير في البيوت كلامٌ والعناقيد سكر مطحونُ
جاء تشرين.. إن وجهك أحلى بكثير… ما سـره تشـرينُ؟
كيف صارت سنابلُ القمح أعلى كيف صارت عيناك بيت السنونو؟
إن أرض الجولان تشبه عينيك فماءٌ يجري.. ولـوز.. وتيـنُ
كلُّ جرح فيها .. حديقة ورد وربيعٌ .. ولؤلؤ مكنونُ
اسحبي الذيلَ يا قنيطرةَ المجدِ وكحِّل جفنيك يـا حرمونُ
سبَقتْ ظلَّها خيولُ هشام وأفاقت من نومها السكينُ
علمينا فقه العروبـة يا شام فأنتِ البيـان والتبيـيـنُ
أغاني باعة دمشق:
اشتهر باعة دمشق بما ينادونه من قوافي وقصائد شعر لبضاعتهم، تسمع بائع ينادي بصوت حنون ( يا غزل البنات، يا ما غزلوك في الليالي (مع التشديد على الليالي) يا غزل البنات)، وآخر بكلمة (الله دايم) يعرف العامة انه يقصد الخس، كما جاء في كتاب دمشق صور من جمالها وعبر من نضالها للشيخ الراحل علي الطنطاوي، فيما ينادي بائع البليلة (الحمص المسلوق) : بليلة بلبلوكي، وسبع جوار خدموكي)، أما بائع العنب حين تدنو أواخره ينادي بصوت حزين( هدوا خيامك وراحت أيامك، ما بقي بالكرم إلا الحطب، يا عنب)، بعض الباعة تسمعهم ينادون بالحكم ويشبهون بضاعتهم بالحاكم الخائن فينادي ( خاين يا ترخون) وهو نبات تزرعه في أرضك فيثمر في أرض غيرك.