دمعةٌ حارقة وأهدابٌ مدمرة!
ريان حمادة جحا
تسع وتسعون خطوة، والأملُ يلوحُ بيديهِ، ويكأنه ناعورة مياهٍ صافية تتقلب وسط شلالٍ خالٍ من الأمراضِ المُعدية.
اقتربتُ مرةً أُخرى حتى أتممتُ المئة ويا ليتني لم أقترب!
خارت جميع قواي، وخطواتي عاجزة، وتبعثرت الحروف من حولي، الحاءُ في الميمنة، والباءُ في الميسرة، وراءٌ عقيمةٌ عاثتْ فيهما خراباً، وألحقتهما بشَدةٍ وكسرِ عظيم.
هرولتُ مسرعةً، أخذتُ بيديهما، وقلتُ في نفسي علّني أحظى برؤية عناقٍ، ينسيني مرارةَ ما رأيت..
وإذا بي أُمسكُ بيدي المهشمتين أشلاءً وعظاماً منخورة! صدمتُ لدقائق ملحوظة، ثم بعد ذلك شعرتُ بشيءٍ يرتطم في وجهي، وكانت الدماء تسيلُ من وجهي، وتتقطر فوق ساقي! ما هذا؟!
وقبيلَ إدراكي لما يحدث، ظهرَ ضوءٌ، كاد يَخطفُ بصري، أغمضت عيني، وإذ بصوتٍ هزّ أركانَ لغتي وكيانَ كلماتي.
شظاياه مزقتْ أوراقي، ورائحةُ البارود أذابتْ عناوينَ نصوصي، حتى تمثلَ أمامي المشهدُ الأليم “بكاءُ أصمٍّ” وعويلُ أبكمٍّ “وهرولةُ أعمى يصيحُ وينادي”
أين أنا.. لماذا لا أرَى أحدا؟ أيمكن أن الظلام احتل بصري؟!
لا أحدَ يجيب، دخانٌ محملٌ برمادِ جثثٍ تفحمت عن أرجاء أسطري
حليبُ الأُمهاتِ، يتسلل داخل أُذني، طبولُ الهوامشِ قرعت، وقذائفُ الدمِ الأحمر دمرت أبنيةً كانت راكعةً ساجدة تدعو للخلاص، طائراتٌ حجبتْ ضوء الشمس، ظننتها أتت لتسعفَ نصوصي، لوحتُ لها بنقاطٍ، وضعتها بأعلى خاتمتي، لكنها أمطرتْ حبراً أبيضَ، استحال نداء استغاثتي هباءً منثورًا.
هنا أيقنتُ أنهم أعلنوا انتهاء صلاحية الإنسانية في قلوبهم المزيفة وبدؤوا ينهشون أجسادنا الرقيقة ظننتهم اكتفوا بعد هذه السنين العجاف من القتل والذبح ولكنهم بدوا متعطشين لدماء الأبرياء
هذه الحروف خطت إليكم يامن تدعون السلام والخير المبطن خلف كواليس إجرامكم حولتم البراءة الممزوجة بطفولة الحياة إلى حيواناتٍ مفترسة كنتم تعلموننا أن نكون صيادين محترفين ولكنكم نصبتم الفخ لنا وبنظركم أنكم أوقعتمونا بهْ إلا أننا كشفنا غطاء تستركم الكاذب.
وها أنا أسدلُ الستار المهترئ على نفسي وأغرق بظلامي تماماً كما تسدلُ الشمسَ على نفسها وتغرقُ في سواد الليل وتنتظر ضوء القمر.