سراقب.. حياة تزينها العتابا والموالية وألوان الحرير

أهم المعالم والعادات والتقاليد وتراث المدينة
سراقب مدينة سورية تقع في القسم الجنوبي الشرقي من إدلب، وتكتسب أهمية خاصة بين المدن سورية من حيث موقعها الجغرافي الذي يربط بين مجموعة من المدن. وتقع بين الطريقين الأساسيين الام 4 والام5 لذلك كانت تعتبر مركزاً للقوافل وللمسافرين، وقد ذكرها المؤرخ عبد القادر النعيمي الدمشقي المتوفى 978 للهجرة في كتابه “الدارس في تاريخ المدارس”
كما ورد اسم سراقب في كتب العديد من الرحالة أمثال الرحالة الإيطالي مورونه والرحالة الإنكليزي كري.
وصف أهالي سراقب بأنهم عرب شاميون (بلاد الشام) وجوهم واجسامهم لطيفة ويتكلمون باللغة العربية الصحيحة، أو لغة القرآن نطقا وخطا، مع تحويرات طفيفة، فمن الممكن أن نسمع فيها بعض الكلمات التركية والفرنسية، ولهجة بعيدة عن لهجة البدو واللهجة الجبلية.
وكنية السكان وتسمياتهم كلها عربية سليمة، وليس هناك كنية تدل على أنهم كانوا أصحاب مهن كنحاس أو حداد أو زجاج، ويبدو أن هذه المهن تركت لأهل المدن، كما لم يكن بين الكنى ما يدل على أنهم قدموا من مدن كبيرة كالشامي والحمصي والحموي إلا بشكل بسيط جدا..كما كان السكان يرققون أسماءهم، فترى صطوف ( مصطفى) وعبيدين (عبيد الدين) ورزوق وحمدي وسيوف وقسوم وعموري (عمر) وقدور وقدورة وعزو وزكور وعبيد وعبود وهذا يدل على رقة طبعهم.
لم يكن لدى السكان في البدايات مهن إلا في الزراعة وتربية الأغنام، وعملوا بجهود جبارة على فتح الأراضي البور والقراج وملكوها كل حسب جهوده المالية والعضلية
اما عن السكان الحاليين فهم الجيل السابع أو الثامن، وإذا اعتبرنا أن الجيل 33 سنة فيكون عمر سراقب الحديثة 270 الى 300 سنة، وما سمعناه من قصص وروايات من أهالي المدينة المسنين يدل على أن معظم الأجداد انحدروا من ضفاف الفرات والجزيرة في العهد العثماني طمعا في القرب من حلب ووسط البلاد والحج والطرق وتوفر المراعي.. وهذا واضح في طريقة اللباس والعادات الاجتماعية والغناء والموسيقى ورقة الطبع.
قام السكان الاوائل بإنشاء بيوتهم من الحجارة والكلس والطين في راس المرتفع الحالي حول ساحة تطورت فيما بعد الى السوق وبني الجامع الكبير.
تموضع السكان حول ساحة السوق الحالي، كل مجموعة قرب بعضها بعضا، ولعل السبب في ذلك هو قدوم المجموعة من المكان ذاته، كان السكان الأوائل يلبسون الكلابية والعصابة والبريم للرجال وعباءة صيفا وفروة شتاء، ثم لبسوا الترانشكوت على الطريقة الحلبية، ثم تطور إلى الجاكيت الافرنجي الحالي، أما النساء فقد لبسن القندورة الطويلة المطرزة بالحرير حتى الكعب، وهو اللباس الذي تفردت به سراقب عن غيرها من المدن، فتميزت بجماليتها، وحافظت النسوة فيها على الاتقان في تطريز خيوط الحرير وتحتها اللباسة (شروال فضفاض أسود مزهر بنقشة بيضاء ناعمة) وعلى الرأس كانت توضع اللفحة وعلى الصدر الشمبر، وكانت لفحة المرأة تحوي على صف من الذهب ورأس الشمبر محلى بالذهب، أما الصبية العازبة فكانت تلبس الحطاطة (شال) بدل اللفحة، ولا يوجد شمبر.
والقندورة خليط المكونات الثقافية لدى الأوساط الاجتماعية في مدينة التراث، الذي لا يتغير بتغير الزمان.
من أغانيهم العتابا الفراتية والسويحلي.
سراقب الحالية بحد ذاتها، مرتفع طبيعي، وهي محاطة بمجموعة من التلال الأثرية كتل مرديخ وتل جوباس وتل داديخ وتل آفس وتل الطوقان وتل الشيخ منصور، أما التَرْنَبَة فهي عربية ومعناها الارنبة.
والأثر التاريخي القديم والوحيد حاليا هو موقع الشيخ سعيد، وهو مكان يعود إلى العهد القديم ويتوقع أن يكون تحت هذا المكان مزارا أو معبدا.
ويعتبر برج البث الراديوي معلما مهما من معالم مدينة سراقب، فقد أنشأ عام 1948م، مع نهاية الانتداب الفرنسي، وكان المنفذ شركة انكليزيه، صنع من الفولاذ المغلف غير القابل للصدأ بارتفاع 215 متر تقريباً، تعلوه إبرة فولاذية مغلفنة لامتصاص الصواعق، تم الانشاء في منطقة تدعى الإذاعة مساحتها 50 هكتارا، وهي أرض زراعية خصبة وسور الموقع بالأعمدة البيتونية والأسلاك الشائكة، أما البرج فهو غاية في الروعة ودقة الإنشاء فهو موشوري الشكل، لمنع انهيار البرج وعمليا يطل البرج على ساحة باب الفرج في حلب، وكامل ادلب.
اما عن صحن البوظة والهيطلية فقد جعل من سراقب مكانا مقصودا لزوار سراقب من حلب والشام وحمص وحماة وكل من ينوي تذوق هذه الحلوة اللذيذة.
عن الحياة الاجتماعية
في الصيف تجتمع العائلات على أبواب البيوت، عصرا بألفة ومحبة، واذا ما حدث خلاف فان الناس يتسابقون لحل الخلاف، وينهون كل خلاف بالجملة المشهورة (له الجماعة نحنا أهل والدم مابيصير مي) وهكذا تحل الخلافات بطرق ودية.
في الوفيات فإن أهل الحي والأقارب كلهم يتشارك الحزن، ويمنع تشغيل الراديو والتلفزيون وتلبس النسوة اللباس الاسود ولا يغسل لهم غسيل ولا يقام أي مظهر من مظاهر الفرح لمدة قد تطول شهورا
صبايا الحي ضمن مجموعات ينقلن الماء من الآبار إلى البيوت بـ (الخلقين) وهو إناء من النحاس يشبه حلة الفوال، وله يدان في الأسفل لسهولة حمله، ويحمل على الرأس
لا يزال الأهالي يحتفلون بالأعياد ويتبادلون التهاني وضيافة العيد من الطعام، الذي تطبخه النساء ليلا لتقديمه يوم العيد للزوار، فيأكل كل زائر لقمة او لقمتين من كل بيت.
ومن المظاهر الجميلة بعد الحصاد صناعة البرغل (السليقة) حيث يجري نصب حلة كبيرة في وسط كل حي فوق موقد يبنى بالحجارة والطين، ويشعل الحطب تحته بعد إملاء الحلة بالقمح المصوّل والماء من قبل صبايا الحي بشكل تبادلي وعندما تنضج السليقة يعاد نقلها على رؤوس الصبايا لتنشر على أسطح المنازل حتى تجف لتصبح برغلا جاهزا للجرش والتكسير.
وكان الأولاد يجتمعون حول الحلة وكل منهم يحمل صحنا صغيرا يمده للحلال ليضع له فيه كمشة من السليقة اللذيذة في منظر بهيج، وكانت الفتيات يطرزن في المساء ويقمن باعمال البيت في الصباح، فيما يسهر الرجال في المضافات (الأوض) ليلا ويقضون أعمالهم في النهار.
اما الخبز فهو من مظاهر الجمال في سراقب فتتبادل النسوة عدالتهن في طريقة العجن والرق وإدخال الرغيف في التنور، فليس هناك ألطف من هكذا تجمعات على عمل يحتاج الوقت والجهد، لكن هذا الوقت يمر بسرعة مع ضحكات الجارات وأحاديثهن ولذة خبزهن الذي يتذوقه المارون.
وكان القمح يطحن في مطاحن آلية، وكل بيت يخزن مؤونته من الطحين، وكذلك من الجبن ودبس البندورة وورق العنب وما شابه ذلك، وفي الربيع كان الأهالي يذهبون الى النزهات تل الشيخ منصور وتل الشيخ حسن والبرودة في وادي العقيب قرب بلدة معارة عليا وضريح الشيخ ابراهيم الخواص في بلدة منطف بجبل الاربعين، استمرت هذه العادات وبشكل متفاوت حتى سنوات قريبة.
الجدير بالذكر أن المدينة من المدن الثائرة ضد نظام الاد حتى اليوم. وقبل عام أهلها هجروا من جراء القصف الذي طال المدينة.