هل وضعت أنقرة وموسكو حجر الأساس لتسوية نهائية في إدلب؟
ما يقارب 11 شهر مضت على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل له الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الروسية موسكو يوم 5 آذار 2020، في أطول فترة استقرار وجمود على خارطة السيطرة العسكرية شمال غربي سوريا منذ بدء الثورة السورية.
جاء الاتفاق بعد حملة عسكرية ضخمة للروس والنظام على شمال غربي سوريا تمكنا خلالها من قضم مساحات شاسعة وتطويق نقاط مراقبة عدة لتركيا كانت أنشأتها سابقاً بموجب اتفاق مع الروس المعروفين بنكث العهود في سوريا.
وقع الإتفاق في ظروفٍ مشحونة بين الطرفين، حيث قتل عشرات الجنود الأتراك أثناء حملة النظام ما استدعى تركيا بعهدها إلى إطلاق عملية درع الربيع استخدمت فيها قوتها البرية والجوية ممثلة بالدارون(البيرقدار) ، حيث شعرت روسيا وتركيا أنهما على حافة الحرب في إدلب ليوقعا اتفاق 5 آذار لوقف إطلاق النار.
ومنذ ذلك التاريخ حافظت قوى السيطرة في سوريا على مواقعها دون تغيير في سابقة لم تحدث منذ دخول الثورة السورية مرحلة العسكرة وانتهاء الثورة السلكية.
لكن ومع جمود وثبات الخارطة العسكرية لم تسلم المناطق المحررة من الخروقات الكثيفة التي وصلت إلى ما يزيد عن 4 آلاف خرق مدفعي وجوي للنظام والروس راح ضحيتها عشرات المدنيين بين قتيل وجريح، إضافة إلى عشرات محاولات التسلل على مواقع المعارضة.
تركيا على الدوام حاولت الحفاظ على هذا الاتفاق من خلال تصريحاتها المتكررة التي يدلي بها مسؤولوها رفيعي المستوى، ففي أحد التصاريح قالت وزارة الدفاع التركية في تشرين الأول الماضي أنها تواصل بذل الجهود من أجل الحفاظ على الهدنة المعلنة بإدلب في 5 من آذار الماضي، ووقف نزيف الدماء، وحماية المكاسب التي تحققت في ضمان الاستقرار، وعودة النازحين السوريين إلى ديارهم، ومنع وقوع مأساة إنسانية جديدة.
وفي المقابل كانت الطائرات الروسية تقصف مواقع في عمق المناطق المحررة، أخطرها يوم قصفت فصيل فيلق الشام المحسوب على تركيا قرب كفرتخاريم في تشرين الأول الماضي على مقربة من الحدود التركية، حيث قتل وجرح نحو مئة عنصر، وهذا الخرق الخطيرلم تعلق عليه روسيا حتى الآن، لكن وكالة نوفوستي أدعت أن طائرات النظام هي من نفذت الهجوم.
كل هذه الخروقات وخطورتها لم تعطِ شرارة بدء حرب جديدة شمال غربي سوريا، بل على العكس وصلت الأمور في بعض الأحيان إلى الشعور بأن تركيا وروسيا تخططان لتسوية الوضع في المحرر والحفاظ على خارطة السيطرة بغرض الوصول لتسوية مستدامة عبر عدد من المؤشرات.
المؤشر الأول بدأ منذ تموز الماضي بعد 6 أشهر من اتفاق آذار حيث طلبت روسيا من تركيا سحب نقاط المراقبة المحاصرة داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام، وهو ما تم في الأشهر السابقة رغم إبداء تركيا معارضة ذلك، ما اعتبر تفاهماتٍ جديدة تقضي بإخراج الأتراك من هذه النقاط والبقاء في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة و بالفعل تم انسحاب آخر نقطة تركية محاصرة منتصف ينايرو
لسحب الأتراك نقاط مراقبتهم أهداف عسكرية وأمنية بالدرجة الأولى، وليست أهدافًا سياسية، فعلى المستوى الاستراتيجي، حيث لا تزال إدلب تشكل نقطة دفاع متقدمة للأمن القومي التركي، حسب الباحث معن طلاع.
وتعتبر تركيا “الإدارة الذاتية” لشمالي وشرقي سوريا خطرًا على أمنها القومي، مع امتلاكها ذراعًا أمنية قوية تنتشر على الحدود المشتركة السورية- التركية.
وبقاء تركيا في هذه المناطق هو ضمان لأمنها القومي، بعدم استحواذ “الإدارة الذاتية” على كامل الحدود السورية- التركية.
وأهداف انسحاب تركيا متعلقة بترتيبات أمنية “بالغة الدقة والحذر”، ستتضح ملامحها في حال تعزيز تموضعها في مناطق سيطرة المعارضة وتمكين خطوطها الأولى، لا سيما جبل الزاوية، لأن انهياره يعني انهيارًا متدحرجًا لبقية المناطق، وذلك يجعل الوصول إلى “باب الهوى” محتملًا.
أما المؤشر الثاني على النية في تحويل اتفاق إدلب لتسوية مستدامة فكان بالعرض التركي الذي يحاكي التفاهمات التي وصلت إليها أنقرة وموسكو حول قره باغ، حيث أعرب أردوغان لبوتين عن أمله في أن تبدأ مسيرة سلام في سوريا على غرار ما حدث في إقليم قره باغ المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا.
كما اقترح أردوغان على بوتين إقصاء نظام الأسد، مؤكداً استعداد بلاده للعمل مع روسيا والقوى الإقليمية الفاعلة من أجل إنشاء سوريا جديدة، إلا أنه ومنذ تاريخ طرح هذا الموضوع في تشرين الثاني الماضي لم تعلق روسيا على ذلك سواءً بالإيجاب أو السلب.
أما المؤشر الثالث القائم على مبدأ ان الاستعداد للحرب يمنعها، ما قامت به تركيا خلال 11 شهراً من إتفاق آذار، حيث أنشأت عشرات النقاط العسكرية على شكل سدٍ منيعٍ على أطراف الطريق الدولي إم فور بهدف منع تقدم أي قوات برية في عملية عسكرية قادمة.
وليست النقاط وحدها التي عززت بها تركيا وجودها في إدلب والتي تدل على أنها تخطط لوجود مستدام في إدلب حيث أرسلت آلاف الجنود وكميات كبيرة من الأسلحة عبر أرتال عسكرية ضخمة تدخل باستمرار إلى المناطق المحررة، ما اعتبر رسائل إلى روسيا والنظام بأننا موجود ونقف ضد أي تحرك عسكري بالمنطقة.
وأمام هذه المؤشرات الثلاثة ظهرت مؤخراً بارقة أمل باستمرار إتفاق إدلب عندما بحث مسؤولون أتراك وروس منتصف كانون الثاني الحالي، الوضع في محافظة إدلب، وقالت وزارة الخارجية الروسية يومها، إن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، أجرى أمس محادثات مع السفير التركي في موسكو، محمد صامصار، ركزت على الوضع في سوريا وليبيا.
وأضافت أنه تم “التركيز على تطور الوضع في سوريا وليبيا، وتم التأكيد على ضرورة إيجاد حلول مقبولة للطرفين من أجل تسوية الوضع في المناطق المتوترة مع تركيز خاص على الوضع في إدلب”.
وإلى يومنا هذا ما يزال اتفاق إدلب سارياً يحمي نحو 5 ملايين مدني في إدلب قسم كبير منهم نازحين، ويقف خلفه ما بقي من ثوار الثورة السورية التي تكالبت عليها روسيا وإيران وحصرت نطاقها الجغرافي في شمال غربي سوريا، فهل تبقى الأمور على حالها ويكون الاتفاق حجر الأساس لتسوية مستدامة؟